الأدب مع الخلق

Picture of دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري

دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري

تمت اضافة هذا بواسطة مركز رياض الصالحين الإسلامي تحت إشراف دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

[:ar]

مقتبس من: محاضرة طالب العلم والأدب

الشيخ: د. هشام الحوسني

الأدب مع الخلق هذه مراتب، وأمورها كثيرة جدًّا، فالأدب مع الخلق قد تكلم أهل العلم عليه فقسموه وذكروا فيه عدة أقسام: ذكروا منه الأدب مع الوالدين، والأدب مع السلطان، والأدب مع أهل العلم، والأدب مع الجيران، والأدب مع الضيف، والأدب مع كذا ومع كذا، فبابه عظيم وواسع، ثم ذكروا كذلك الأدب الذي ينبغي للمسلم أن يتحلى به في حياته، أدبه في نومه، أدبه في خروجه من منزله، أدبه في دخوله لمنزله، أدبه في استيقاظه، أدبه أثناء يومه وحياته، هذه كلها آداب ينبغي على طالب العلم أن يتحلى بها وأن يتذكرها ويعمل بها، ولو وقفنا وقفةً  يسيرة مع شيء من هذه فهذا مما يذكرنا ويعيننا- بإذن الله- على هذه الأمور الخيرة الطيبة.

 

فمن هذا الأدب، الأدب مع العلماء، ضرب سلفنا الصالح – رضوان الله عليهم – أروع الأمثلة في هذه، ونحن حينما نتأمل في واقع الصحابة – رضوان الله عليهم – ومن جاء بعدهم في هذا الأدب نجد أنهم قد أتو فيه بالأمور التي تُثير إعجاب كل مسلم، يقول: ابن عمر – رضي الله عنه – حينما سمع النَّبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي- هذا يذكر شجرة كذا وهذا يذكر شجرة كذا،- فعبد الله بن عمر يقول: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّه،ِ قَالَ: -رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: هِيَ النَّخْلَةُ)).

الشاهد من هذا هو موقف عبد الله بن عمر – رضي الله عنه –، لماذا لم يتكلم وهو يعرف الجواب؟ حتى إن عمر– رضي الله عنه – حينما أخبره قال: “ياأبتاه أنه قد وقع في نفسي أنها النخلة، قال: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا”، وجاء في بعض الروايات “أحب إليَّ من حُمْرِ النِّعَم”، لماذا لم يتكلم؟ قال: “فإذا أنا عاشر عشرة، أنا أحدثهم”، وقال في رواية أخرى: ” فأردت أن أقول فإذا أنا أصغر القوم”، وجاء في بعض الروايات قال: “رأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم”، صحابي جليل يعرف الجواب من النبي – صلى الله عليه وسلم – لكن ما أجاب لماذا؟ منعه الأدب، وتقدير هؤلاء الأجلاء العلماء الأجلاء، أبوبكر وعمر – رضي الله عنهم أجمعين – فمنعه ماذا؟ الأدب، فقال: فاستحييت، رأيت أبابكر وعمر، يعني موجودان في نفس المكان ولا يتكلمان فاستحييت، وهذا من الأدب العظيم الذي ينبغي لطالب العلم أن يتحلى به، اليوم في زماننا هذا نرى أن العالم موجود والعلماء موجودون وطلبة العلم ماذا؟ يتكلمون! ويبادرون بالكلام من غير تقدير واحترام وإجلال لهؤلاء العلماء، بل زيادة على ذلك حينما ينصحهم بعض أهل العلم بحسن التأدب، وحسن التلطف، وحسن الكلام؛ يأنف ويكابر ويصف العالم بأوصاف لا تليق! مع أن غرض هذا العالم هو تنبيهه على ما وقع فيه من باطل، ما وقع فيه من منكر، لا بد أن ينصحه ناصح ويُبين له مُبين حتى يستقيم على الطريق الصحيح.

كذلك من عدم الأدب ومن مخالفة الأدب مع أهل العلم هو إساءة الظن بهؤلاء العلماء، حينما تحصل بالمسلمين بعض المصائب–نسأل الله أن يفك ويفرج الهم والغم عن جميع المسلمين في شتى بلاد المسلمين-، حينما تحصل بعض النوازل أو بعض الحروب أو بعض كذا وكذا، تجد ممن هو لم يتعلم الأدب مع أهل العلم أول ما يُبادر يقول ماذا؟ أين علماء المسلمين؟! أين العلماء؟! أين كذا؟! وكثيرًا ما نسمع مثل هذه الأمور، وهذه من قلة الأدب مع أهل العلم، أهل العلم هم صمام الأمان في جميع الأوطان، فلا يُساء فيهم الظن، حينما يصدر كلام من بعض أهل العلم، تحذيرًا من أشخاص أو من جماعات أو من فِرق حزبية، يصدر من بعض العلماء تحذير من هؤلاء، نجد بعض الأشخاص ينبري ويقول لبعض الطلبة انشغلوا بالعلم، لا تهتموا بهذه الأمور، لا تهتم بهذه المسائل، سبحان الله!! كأنه يضع رأسه برأس هذا العالم الذي قد شابت لحيته في الإسلام، وهذا ليس من الأدب مع أهل العلم، أهل العلم إذا تحدثوا فإنما هو في مصلحة هؤلاء الناس، فيما يعود عليهم بالخير، قد يكون الكلام ثقيلًا في بعض الأمور لكن مآله إلى خير، وإبعاد الناس عن الفتن، وإبعاد الناس عن الحروب، وإبعاد الناس عن المحن.

انظروا إلى كثير من السفهاء حينما تصدروا في الإعلام، وتصدروا في وسائل التواصل الاجتماعي وغير ذلك، قادوا بعض الدول إلى حروب ومِـحن ندموا عليها الآن، في الوقت الذي قد حذر كبار العلماء من هذه الفتن، وبينوا للناس أن مثل هذه فتنٌ فاجتنبوها ولا تقربوها، لكن جاء من لم يعرف الأدب مع هؤلاء العلماء، وما تعلموا في مدرسة محمد –صلى الله عليه وسلم-، ولا تأثروا بآثار صحابة النبي–صلى الله عليه وسلم-، جاءوا فضربوا كلام هؤلاء العلماء وأوقعوا الناس في شر ودماءٍ وقتالٍ وحروبٍ لا يعلم بشرِّها إلا الله –سبحانه وتعالى-، ما سبب ذلك؟ هو قلة الأدب مع أهل العلم، وعدم معرفة قدر هذا العالم، علماء السنة في كل زمان ومكان هم صمام أمان للناس، وهم الذين يبينون للناس هذا الدين، ويبينون للناس ما هو الصواب وما هو الخطأ سواءً كان في حياتهم أو كان بعد وفاتهم.

 حينما ننظر إلى حال صحابة النبي –صلى الله عليه وسلم-، كانوا كما قال أبوسعيد الخدري: ((كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ إِلَيْنَا، فَكَأَنَّ عَلَى رؤوسنا الطَّيْرُ لَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ مِنَّا)) تقدير للنبي الكريم، تقدير لهذا العلم الذي يحمله هذا العالم، لابد لطالب العلم أن يعرف قدر أهل العلم، فلا يرفع صوته أمام شيخه، ولا يأتي بأمورٍ لا يحسن أن تُذْكر أمام أهل العلم، بل لابد من تقدير أهل العلم وإحسان الظن بهم، لا كما نرى في زماننا هذا يتكلم العالم بنصيحة ويُبيِّن للناس خطورة جماعة حزبية، خطورة فرقة ضالة مُضلًّة، يُبين للناس هذا الأمر، فتجد من يخرج ويقول هذا العالم يغتاب الناس، وسبحان الله الأيام تُعيد نفسها.

كان الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يُحذِّر من شخص من أهل البدع، فقال له قائل ممن كان جالسًا، قال: يا أحمد لماذا تغتاب الناس؟ -يعني لماذا تتكلم عن الناس-، قال له أحمد -رحمه الله تعالى-: “يا هذا، إذا سكتُّ أنا، وسكتَّ أنت فمن يُبين للناس دينهم!”، أليس من الواجب على المسلم أن يبين للناس طريق الخير فيتبعوه، ويحذرهم من طريق الشر فيجتنبوه؟! أليس هذا واجبًا على العالم أن يبينه؟! قد يكون القول فيه ثقل على النفس، لكن دين الله -عز وجل- لا بد أن يُبَيَّن وأن يُبلَّغ للناس حتى تتضح الطريق.

قال أيوب -رحمه الله تعالى-: “كان الرجل يجلس إلى المجلس ثلاث سنين، فلا يسأل العالم -فلا يسأل الشيخ- فلا يسأله عن شيء هيبةً له” هكذا كانوا يقدرون علماءهم، لذلك رأينا النور والخير قد انبثق من تلك الأزمنة، ومن تلك الفترات التي كان الناس يعرفون فيها قدر هؤلاء العلماء.

يقول الربيع بن سليمان وهو صاحب الإمام الشافعي -رحمهم الله تعالى-، يقول: “والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ هيبةً له”، هكذا كانوا يقدرون علماءهم ومشايخهم، نحن الآن في بعض الأزمنة إن نصحهم العالم نصيحةً ماذا قالوا؟ قالوا هذا العالم ما يفهم شيء، هذا العالم يقصد كذا ويقصد كذا، ويبدؤون يُحرفون الكلام، ويضربون كلام أهل العلم بعضهم ببعض، لكن العالم الفلاني ما قال، ولكن العالم الفلاني قال كذا، وعدم تأدُّب مع أهل العلم، الذي هو من خلاف الأدب مع أهل العلم.

كذلك -معاشر الإخوة- حينما ننظر إلى الطالب مع شيخه إن كان حسن الأدب وجدت شيخه قد انبسط له وأعطاه من العلم ما لم يعطي غيره، ننظر على سبيل المثال الإمام مالك -رحمه الله تعالى- ورحم الإمام الشافعي، حينما رأى الشافعي وهو جالسٌ في مجلسه أعجبه أدب هذا الإمام الشافعي وهو صغير في السن، أعجبه أدبه وأعجبه حسن سمته مع صغر سنه -رحمة الله عليهم-؛ لذلك خصَّهُ بما لم يخص به غيره من العلم؛ فنبغَ -رحمة الله عليه- وصار علمًا من أعلام هذه الدنيا.

يقول ميمون بن مهران -رحمه الله تعالى-: “لا تُمارِ من هو أعلم منك، فإذا فعلت خَزَنَ عليك علمه، ولم تضرَّه شيئًا”، حبس عنك شيئًا من علمه ولم تضره شيئًا، كما هو واقعٌ في زماننا يأتي شابٌ صغير ويتحدث في علماء السنة الذين عُرِفوا بالسنة والصدع بها والكلام فيها، يأتي وهذا العالم قد شابت لحيته في الإسلام، فيأتي ويتكلم عليه ويُبين أن نصيحته هذه التي قد نصح الناس بها هذه نصيحة باطلة! وغير ذلك من الأمور التي يكون فيها من قلة الأدب مع هؤلاء العلماء ما يكون، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهما، فأهل العلم ينبغي أن نُحسن الظنَّ بهم، نُحسن الظنَّ بأهل العلم الذين قد عُرفوا بالسنة، وعُرفوا بالتمسُّك بها، والتحذير ممن خالفها، لا أن يأتي بعضُ الناس ويقول اسمع من كل أحد كما يقولون! يُقال لا، هذا خِلاف الأدب في العلم؛ لأن الناس قد تشعَّبت بهم المذاهب، وتشعَّبت بهم الطرق، فمنهم من سلك سبيل السنة فهذا يُؤخذ منه، ومنهم من خالف وفارق السنة فيُحذَّر منه ولا كرامة، فمثل هذه الأمور ينبغي على طالب العلم أن يعلم الأدب فيها، فيأخُذ ممن عُرِف بالسنة وبالحق، ويلزم طريقتهُم التي هم عليها.  

هذه بعض المسائل التي أحببنا أن نقف عندها لا سيَّما من أبرز هذه الأمور قول عبد الله بن مبارك قال: “من استخفَّ بالعلماء ذهبت آخرتهُ”، هذه فيما يختصُّ بالأدب مع العلماء.

ننتقل بعدها للنقطةِ التي تليها وهي: الأدب مع الوالدين.  من الأمور الهامةِ جدًا أن يكون طالب العلم مؤدبًا مع والديه، وعارفًا لقدرِهما، ومُحسنًا الصُّحبة لهما، يقول عُروة بن الزبير -رحمه الله تعالى-: “ما برَّ والده من شدَّ الطرفة إليه”، يعني يُحدثه والده بحديث فينظرُ له نظرة كأنه غيرُ مرتاحٍ لكلام هذا الوالد، فهذا ليس من الأدب، بل هو خلاف الأدب، مقامُ الوالدين مقامٌ رفيع، أَولاهم الله –عز وجل-مقامًا عاليًا ينبغي على المسلم وعلى طالب العلم بشكلٍ خاص أن يلزم الأدب مع والديه.

  لما مات عمر بن ذر قالوا لأبيه – لوالد عمر بن ذر- قالوا: “كيف كانت عشرته معك؟ – يعني هذا ابنك الذي قد تُوفِّي- قال: ما مشى معي قطُّ في ليلٍ إلا كان أمامي- يخافُ على والده أن يعترضهُ شيء- ولا مشى معيَّ في نهارٍ قطُّ إلا كان ورائي، ولا ارتقى سطحًا قطُّ كنت تحته”، هكذا عرفوا قدر أباءهم وأَمهاتهم، نسمع اليوم بعض من أكرمه الله –سبحانه وتعالى-بطلب العلم نجدهُ في أخلاقه وفي أدبه مع والديه سيئا، غير متأَدِّب مع والديه، إن كان المسلم غير متأَدِّب مع والديه يُعدُّ هذا عيبٌ في المسلم، فما بالك بطالب علم! ماذا يُقال في حقه إن كان غير متأَدِّب مع والديه! 

جاء عن بعض السلف –رضوان الله عليهم- قيل له: “لماذا لا تأكل مع والدتك على مائدةٍ واحدة؟ قال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينُها فأكون قد عققتُها”! هذا من تمام الأدب مع الوالدين.  يقول محمد بن مُنكدِر: “بات أخي يصلي في ليلة من الليالي، وبتُّ أغمِزُ قدم أمي -يعني يدلكه- وبتُّ أغمزُ قدم أمي وما أحبُّ أن ليلتي بليلته” متابعته لما هو في مصلحةِ والدته عدَّه أعظم من قيام الليل الذي قامه أخوه.  

يذكر أهل العلم عن حَيَوَةَ بن شُرَيحٍ وهو أحد علماء المسلمين، كان وهو قاعدٌ في حلقته

 يُعلِّم الناس تناديه أمه تقول: قم يا حيوة فألقي الشعير للدجاج، فماذا يفعل؟ فيقوم

ويترك المجلس، ويفعل ما تأمره به أمه، هكذا عرفوا قدر هذا الوالد وقدر هذه الأم.

 وعون بن عبد الله يقول: ” نادته أمه، فأجابها فعلا صوته حينما أجابها- علا صوته ارتفع- فأعتق رقبتين”، تكفيرًا عن علو صوته على أمه وهو غير قاصد، فماذا يُقال في حق شخص تَقصَّد وتعمَّد رفع الصوت على أمه أو على أبيه!  

يقول بعض العلماء: “من وَقَّرَ أباه طال عمره، ومن وَقَّرَ أمه رأى ما يسره، ومن أَحْدَّ النظر إلى والديه عقهما”.

 ولنا في صحابة النبي- صلى الله عليه وسلم-  قدوة، هذا الصحابي الجليل العالم الكريم النبيل أبو هريرة -رضى الله عنه- كان إذا أراد أن  يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: “السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام ياولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول لها: رحمك الله كما ربيتني صغيرا، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرة، وإذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك”، تأَدُّب وحسن خُلق مع هذه الوالدة، وهذا الوالد. والنبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إِنَّ الْوَالِدَ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَمن شاء فليحْفَظْ ذَلِكَ الْبَابَ ومن شاء فليضعه))، وهذا وعيد شديد من النبي-  صلى الله عليه وسلم – .

ثم ننتقل معاشر الإخوة إلى النقطة الأخير وهي: الأدب مع السلطان.  وهذا باب عظيم قد وقع الإخلال فيه في هذه الأزمنة وما قبلها، لكن للأسف الشديد في هذا الأزمنة تلبس المخالفون فيها بلباس السنة وحاشى سنة النبي – صلى الله عليه وسلم-  من منهج الخوارج البغيض، النبي -صلى الله عليه وسلم-  انظروا إلى قوله – صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَذلهُ أذلهُ الله))، نبينا – صلى الله عليه وسلم-  يُبَيِّن لنا أن السلطان له مقام رفيع ينبغي ماذا؟ أن تتأدب معه أيها المسلم، أن تحترم هذا المقام الذي قد ولاه الله -عز وجل- عليك، لذلك قال عبد الله بن مبارك -رحمه الله تعالى-: ” من استخف بالأمراء ذهبت دنياه”.

 النبي – صلى الله عليه وسلم – كما جاء عن أنس قال: نهانا كُبراؤُنَا من أَصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ وَلا تَغِشُّوهُمْ، وَلا تَبْغَضُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا؛ فَإِنَّ الأَمْرَ قَرِيبٌ)).   نأتي إلى بعض الناس في هذه الأزمنة ممن تسمى وانتسب إلى السنة زورًا وبهتانًا تجده مخالفًا للأدب في هذه الأمور، النبي – صلى الله عليه وسلم-  وكبار صحابته – رضوان الله عليهم – يقولون: ((لا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ))، تجده يقع في سب الأمراء، والحاكم الفلاني فعل كذا، والحاكم الفلاني فعل كذا! وما شأنك أنت؟! النبي – صلى الله عليه وسلم-وصحابته -رضوان الله عليهم- ينقلون لنا قولهم: ((لا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ وَلا تَغِشُّوهُمْ، وَلا تَبْغَضُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا))، نبينا -صلى الله عليه وسلم-  يُبَين لنا أدبًا رفيعًا في مثل هذا الباب، وهي مسألة النصيحة فيقول: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً))، في أيامنا هذه يقف على المنبر في بعض البلدان، ويخرج في وسائل التواصل أو التلفاز أو غير ذلك ويبدأ ويرى أنه من الصدع بالحق، وهو صدعٌ بالباطل –والعياذ بالله-! وخلاف الأدب مع سنة النبي-صلى الله عليه وسلم-، وخلافُ الأدب مع هذا السلطان الذي له مكانه وهيبة، إذا نُزِعت عمَّت الفوضى وحلَّ الخراب والدمار في بلاد المسلمين، يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً وَلَيَأْخُذُ بِيَدِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ))، أدبٌ رفيع يُرشدنا إليه نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهكذا كان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: “أول نفاق المرء طعنه على إمامه”، فالإمام والسلطان له آدابٌ ينبغي على المسلم وعلى طالب العلم بشكل خاص أن يكون مُتأدبًا بها، لذلك -معاشر الإخوة والأخوات- نقول إن هذه المسائِل من الأهمية بمكان، وينبغي على طالب العلم أن يحرص عليها أشد الحرص لاسيما وهو يُخالِط الناس، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((اتَّقِ اللهَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))، فالأخلاق الحسنة والأدب الرفيع هو الذي يبقى لك من ذكر للناس، ومن حسنات تتركها بعد وفاتك.

يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول: ” أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه.  وقلة أدبه عنوان شقاوته وَبَوَارِهِ، فما اسْتُجْلِبَ خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا اسْتُجْلِبَ حرمانها بمثل قلة الأدب” ثم يُمثل على هذا فيقول: ” فانظر إلى الأدب مع الوالدين كيف نجى صاحبه من حبس الغار” يُشير إلى قصة ذاك الرجل حينما دخلوا الغار، فسقطت عليهم الصخرة، فحُبِسوا، فتذكر كل واحد منهم عملًا صالحا، فقال أحدهم إن له أبوان كبيران إلى آخره، يقول ابن القيم: ” انظر إلى الأدب مع الوالدين كيف نجى صاحبه من حبس الغار حينما أطبقت عليهم الصخرة”، ثم يُشير إلى أمر آخر: ” وانظر إلى الْإِخْلَالُ به-يعني الإخلال بالأدب مع الوالدين- وانظر إلى الْإِخْلَالُ به مع الأم  تَأْوِيلًا-يعني من غير قصد- وإقبالًا على الصلاة – كما حصل من الراهب وهو من غير قصد- الْإِخْلَالُ به مع الأم تَأْوِيلًا وإقبالًا على الصلاة، كيف امْتُحِنَ صاحبه بهدم صومعته، وضرب الناس له، ورميه بالفاحشة” فهذا الأدب، وهذا ما يُخالفه، فانظر إلى هذا وهذا تعرف معنى قوله: “أن أدب المرء عنوان سعادته، وقلة أدبهِ عنوان شقاوته”، يقول: “وانظر أدب الصديق -رضي الله عنه- مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة حينما تأخر النبي-صلى الله عليه وسلم-وحُبِسَ عَن الصلاة، حُبِس النبي -صلى الله عليه وسلم-عن الصلاة فجاء وأبو بكر-رضي الله عنه- قد تقدَّم ليصلي بالناس، فنظر أبو بكر إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-فتأخر، فأشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، أَنْ امكث مكانك، لكن أبو بكر-رضي الله عنه- قال: “ما ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-” فرجع خطوات قدمته درجات، فصار إمامًا للمسلمين بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم-.

هكذا معاشر الإخوة والأحبة هكذا الأدب يفعل بصاحبهِ، وهكذا الأدب يرفع صاحبه، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعلنا ممن يستمع إلى القول فيتبع أحسنه.

[:]

شارك مع اصدقائك